سورة العنكبوت - تفسير تفسير القرطبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ وَلَقَدْ جاءَهُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ وَما كانُوا سابِقِينَ (39) فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}
قوله تعالى: {وَقارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهامانَ} قال الكسائي: إن شئت كان محمولا على عاد، وكان فيه ما فيه، وإن شئت كان على {فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ} وصد قارون وفرعون وهامان.
وقيل: أي وأهلكنا هؤلاء بعد أن جاءتهم الرسل {فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ} عن الحق وعن عبادة الله. {وَما كانُوا سابِقِينَ} أي فائتين.
وقيل: سابقين في الكفر بل قد سبقهم للكفر قرون كثيرة فأهلكناهم. {فَكُلًّا أَخَذْنا بِذَنْبِهِ} قال الكسائي: {فَكُلًّا} منصوب ب {أَخَذْنا} أي أخذنا كلا بذنبه. {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً} يعني قوم لوط. والحاصب ريح يأتي بالحصباء وهي الحصى الصغار. وتستعمل في كل عذاب {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ} يعني ثمودا واهل مدين. {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ} يعني قارون {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا} قوم نوح وقوم فرعون. {وَما كانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} لأنه أنذرهم وأمهلهم وبعث إليهم الرسل وأزاح العذر.


{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلاَّ الْعالِمُونَ (43)}
قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِياءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} قال الأخفش: {كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ} وقف تام، ثم قصتها فقال: {اتخذت بيتا} قال ابن الأنباري: وهذا غلط، لان {اتخذت بيتا} صلة للعنكبوت، كأنه قال: كمثل التي اتخذت بيتا، فلا يحسن الوقف على الصلة دون الموصول، وهو بمنزلة قوله: {كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً} فيحمل صلة للحمار ولا يحسن الوقف على الحمار دون يحمل. قال الفراء: هو مثل ضربه الله سبحانه لمن أتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حرا ولا بردا. ولا يحسن الوقف على العنكبوت، لأنه لما قصد بالتشبيه لبيتها الذي لا يقيها من شي، فشبهت الآلهة التي لا تنفع ولا تضر به. {وإن أوهن البيوت} أي أضعف البيوت {لبيت العنكبوت}. قال الضحاك: ضرب مثلا لضعف آلهتهم ووهنها فشبهها ببيت العنكبوت. {لو كانوا يعلمون} {لو} متعلقه ببيت العنكبوت. أي لو علموا أن عبادة الأوثان كاتخاذ بيت العنكبوت التي لا تغني عنهم شيئا، وأن هذا مثلهم لما عبدوها، لا أنهم يعلمون أن بيت العنكبوت ضعيف.
وقال النحاة: أن تاء العنكبوت في آخرها مزيدة، لأنها تسقط في التصغير والجمع وهي مؤنثة.
وحكى الفراء تذكيرها وأنشد:
على هطالهم منهم بيوت *** كأن العنكبوت قد ابتناها
ويروى:
على أهطالهم منهم بيوت ***
قال الجوهري والهطال: اسم جبل. والعنكبوت الدويبة المعروفة التي تنسج نسجا رقيقا مهلهلا بين الهواء. ويجمع عناكيب وعناكب وعكاب وعكب وأعكب. وقد حكى أنه يقال عنكب وعنكباة، قال الشاعر:
كأنما يسقط من لغامها *** بيت عنكباة على زمانها
وتصغر فيقال عنيكب. وقد حكى عن يزيد بن ميسرة أن العنكبوت شيطان مسخها الله تعالى.
وقال عطاء الخراساني: نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود حين كان جالوت يطلبه، ومرة على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولذلك نهى عن قتلها. ويروى عن علي رضي الله عنه انه قال: طهروا بيوتكم من نسج العنكبوت فإن تركه في البيوت يورث الفقر، ومنع الخمير يورث الفقر. قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} {ما} بمعنى الذي و{مِنْ} للتبعيض، ولو كانت زائدة للتوكيد لا نقلب المعنى، والمعنى: إن الله يعلم ضعف ما يعبدون من دونه. وقرأ عاصم وأبو عمرو ويعقوب: {يدعون} بالياء وهو اختيار أبي عبيد، لذكر الأمم قبلها. الباقون بالتاء على الخطاب. قوله تعالى: {وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها} أي هذا المثل وغيره مما ذكر في البقرة و{الحج} وغيرهما {نضربها} نبينها {للناس وما يعقلها} أي يفهمها {إلا العالمون} أي العالمون بالله، كما روى جابر عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: {العالم من عقل عن الله فعمل بطاعته واجتنب سخطه}.


{خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44)}
قوله تعالى: {خَلَقَ اللَّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} أي بالعدل والقسط.
وقيل: بكلامه وقدرته وذلك هو الحق. {إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً} أي علامة ودلالة {لِلْمُؤْمِنِينَ} المصدقين.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8